GuidePedia

0
محمد لبويهي


بمناسبة الذكرى 62 لعيد استقلال المملكة المغربية نقدم للقراء الكرام مايلي

 

نبذة متواضعة من حياة المغفور له محمد الخامس

ليس سهلاً على الباحث في تاريخ المغرب السياسي والفكري أن يحرر سيرة مختصرة للملك المغفور له محمد بن يوسف، أو يكتب عنه ترجمة مركزة تلم في صحائف معدودة بأبرز ملامح حياته. وهي حياة حاضرة صورتها المشرقة وخصالها الكريمة في الأذهان والقلوب، ومسطرة عطاآتها الحافلة ومواقفها الجليلة فيما لا يحصى من مؤلفات ودراسات(1) تحددت بها وتعينت معرفة شاملة ومتكاملة لهذه الشخصية الفذة التي غدت عَلَماً على العصر، ورمزاً للوطن دون منازع.
ومع ذلك، وعلى الرغم من أن المُعَيَّن بالتعريف أصلاً - على هذا النحو - لا يُعرَّف، فكيف حين تكون درجة تعريفه قوية باهرة، فإنه لا بأس من ذكر بعض الإشارات الدالة، عساها حين تُضم إلى غيرها - وغيرها كثير - أن تجمّع قسمات تلكم الصورة المتفردة، وتقرّب أبعادها المتميزة. ولعل الأجيال الصاعدة أن تتأملها وتستمد من قبساتها القدسية ما تضيء به حوالك المسير، وما يكون لها القدوة الصالحة والمثال المنير.
وُلد العاهل المنعم يوم الجمعة الثالث والعشرين من رجب 1327 ﻫ، الموافق عاشر غشت 1909م، بمدينة فاس التي كانت يومئذ عاصمة المغرب، والتي كان والده المولى يوسف - قبل توليه - خليفة بها للسلطان أخيه المولى عبد الحفيظ الذي تنازل عن العرش في التاسع والعشرين من شعبان 1330 ﻫ، الموافق ثاني عشر غشت 1912م، بعد أن كان وقَّع عقد الحماية الفرنسية في الثلاثين من مارس من العام نفسه. وهو العقد الذي نص في بعض بنوده على تفاوض فرنسا مع إسبانيا، بشأن مصالح هذه الأخيرة ؛ مما أسفر عنه اتفاق في السابع والعشرين من نونبر من هذا العام، دخلت به المنطقة الشمالية تحت الحماية الإسبانية.
وبعد أن اعتلى الوالد - المولى يوسف - العرش يوم التاسع والعشرين من شعبان من السنة نفسها، الموافق ثاني عشر غشت من هذه السنة، في حاضرة الرباط التي أصبحت العاصمة، انتقلت السكنى الملكية إلى الإقامة بقصرها، حيث وجه اهتمامه للأمير الصغير بحفظ القرآن الكريم وتلقِّي جملة من العلوم الشرعية واللسانية، داخل القصر على المعهود في تنشئة الأمراء ؛ إضافة إلى اللغة الفرنسية وبعض المعارف العصرية.
وقد عاش سيدي محمد هذه الفترة - وقبل مبايعته - حدثين هامين:
الأول: زواجه في احتفال زفافي كبير أقيم له ولإخوته بمدينة مراكش، وهو في عامه السابع عشر.
والثاني: مرافقته لوالده في رحلة رسمية إلى باريز، بدأت يوم فاتح محرم 1345 ﻫ، الموافق 1926م. وكان الغرض منها افتتاح المعهد الإسلامي وإلحاق أحباس الحرمين به.
وعلى إثر وفاة المولى يوسف بفاس يوم الخميس الثاني والعشرين من جمادى الأولى 1346 ﻫ، الموافق سابع عشر نونبر 1927م، وبعد دفنه إلى جوار جده المولى عبد الله صبيحة الغد وفور أداء صلاة الجمعة، قدمت البيعة بمشور الدكاكين للسلطان سيدي محمد الذي عاد مباشرة إلى العاصمة. وكان السلطان هو اللقب المتداول قبل أن يستبدل به لقب "الملك" إثر حادث النفي واسترجاع الاستقلال.
وقد كانت هذه البيعة مفاجأة للذين كانوا ينتظرون تقديمها لأخيه الأكبر المولى إدريس الذي كان عينه والده وليا للعهد. ولعل الذين دفعوا إلى مبايعته، ولا سيما من رجال الحماية وأعوانها، كانوا يظنون أنه لصغر سنه وقلة تجربته، سيكون أداة طيعة في يدهم لتنفيذ ما يرونه ويخططونه. ولكن أبى الله إلا أن يحبط ما كانوا يرمون إليه، إذ نهج سياسة وطنية نضالية لم تكن تخطر لهم ببال، هي التي أفضت به وبأسرته الشريفة إلى أعلى مراتب التضحية، قبل أن يحقق الانتصار ويستعيد الاستقلال.
والحق أنه منذ طفولته وأول شبابه، كانت بادية عليه معالم النبوغ والنجابة، وملامح الذكاء والنباهة، مع النظر النافذ والعقل الراجح والقلب الثابت، وكذا لين الطبع وهدوء النفس، في همة عالية وأنفة شماء وتواضع جم، وفي ضمير حي وفكر متحرر يحصنه إيمان متين، وتشبث بالدين في صفائه ونقائه، وتمسك بقيمه وفضائله.
وهي مكارم زانت قوامه المعتدل ومحياه الباسم الصَّبيح الذي تعلوه سمات البشاشة والوداعة، وعلامات الحُنو والرأفة، ومخايل حسن الطوية وسلامة السريرة.
وإن من شأن مثل هذه المحامد حين تضاف إلى الصفات الجهادية التي حبا الله بها جلالة ابن يوسف، أن تجعل منه القائد المغوار والزعيم الملهم والملك المصلح، والبطل الذي سيواجه مع شعبه المتفاني في حبه والمتعلق بأهداب عرشه كل تحديات المرحلة، ويحرر الوطن من ربقة الاستعمار.
ومن ثم فلا عجب - والرائد لا يَكذب أهله - أن يكون أول خطاب فاه به السلطان الشاب إثر مبايعته وعودته من فاس إلى الرباط، مركَّزاً على الآمال التي تعلقها الأمة على جلالته، إذ قال: "إن الشعب المغربي ينتظر منا مجهوداً مستمراً لا من أجل تنمية سعادته المادية وحدها، ولكن لنكفل له الانتفاع من تطور فكري يكون متلائماً مع احترام عقيدته، ويستمد منه الوسائل التي تجعله يرتقي درجة عليا في الحضارة بأكثر ما يمكن من السرعة".
  وإن الدارس ليستشف من هذه الفقرة وغيرها مما تَضمَّنه الخطاب السلطاني، أن جلالته قصد إلى رسم الخطة التي سيسير عليها، وإلى وضع الآليات التي سيتوسل بها في منهجه الهادف إلى رقي الشعب وتقدمه. وهو ما لن يتأتى إلا بتحريره، وقبل ذلك بإعداده لخوض المعركة التي يستوجبها تحقيق الهدف المنشود.
وهكذا، وعلى الرغم من الوضع الخانق الذي كانت تفرضه الحماية، فإنه حدد لسياسته واجهتين على ما سنوضح: الأولى تؤهل للثانية، بدءاً من إصلاح الذات وتقويتها إلى مواجهة الآخر للتحرر منه.
** ** **
لقد أدرك بحسه المتيقظ، ونزوعه الإصلاحي، وفي تجاوب مع الفكر السلفي الذي كانت تدعو إليه فئة متنورة من العلماء المغاربة، أنه لا مناص لبلوغ الآمال المرجوة من بث وعي جديد في أبناء شعبه يكون قائماً على عقيدة سليمة من كل الشوائب التي علِقت بها، والتي كانت تتمثل في ألوان من البدع والانحرافات، كانت المواسم التي تحتضنها الأضرحة باسم الدين مجالاً لإشاعتها وترويج خرافاتها وأباطيلها وما يتصل بها من شعوذة في مظاهر تصوف زائف. فأصدر بهذا الشأن عام 1352 ﻫ، الموافق سنة 1933م، أمراً إلى الطوائف المعْنية يمنعها من كل الممارسات المشينة التي تصادم العقيدة.
وكان منظوره للإصلاح الجذري يحثه على مواصلة هذا التوجه والتذكير به والإلحاح عليه في عدة مناسبات، وفق ما جاء في خطاب عيد العرش عام 1365 ﻫ، الموافق سنة 1946م، إذ قال: "لما ظهر من طيش من لا يزال يطمح إلى التفريق بالبدعة وإحداث أنكر أسباب الارتزاق بالباطل، جعلنا دون تلك المساعي سداً بالظهير الشريف الذي أصدرناه، والقرار الذي أمرنا بكتابته، مانِعين بذلك إحداث أي طريق في الدين، لما في ذلك من محض الضلال ومهالك الاختلاق. قال تعالى: )وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون(. وقال عليه الصلاة والسلام: "تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك". وقال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه: "من أبدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة - وحاشاه - لأن الله يقول: )اليوم أكملت لكم دينكم(. فما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً".
وسداً لأي فراغ يمكن أن يعانيه المجتمع في هذا الصدد، اتجهت همته العالية إلى تشييد العديد من المساجد الجديدة في مختلف المدن، وترميم القديم منها وتوسيعها وتحبيس الكتب عليها. كما أنه ترسيخاً لهذا التوجه السني السليم، عُني بالدروس الحديثية التي كانت تعقد بمحضره وبمشاركة نخبة من العلماء خلال شهر رمضان المعظم، لسرد الحديث النبوي ولا سيما من الصحيحين البخاري ومسلم، مع تقديم الشروح والتحليلات التي يراها ضرورية.
وكان لا بد في هذا السياق الهادف إلى بث وعي جديد، أن يوجه اهتمامه لتربية النشء وتكوين الأجيال، فأظهر عناية فائقة بالتعليم الذي أنشأ له مجلساً أعلى يجتمع بالأعتاب الشريفة، لمتابعة تطبيق الظهير الشريف المتعلق بذلك، والصادر في السادس والعشرين من ذي الحجة 1348ﻫ، الموافق الخامس والعشرين من مايو 1930م، وما معه من ضابط مسنون مؤرخ في عاشر ذي الحجة 1351 ﻫ، الموافق 1933م.
وقد مست هذه العناية جميع مستويات التعليم ومراحله، بدءاً من الكُتاب القرآني إلى الجامعة، معتبراً كما جاء في خطاب العرش لعام 1362ﻫ، الموافق سنة 1943م، أن "أساس النهوض بالبلاد والجد وراء مصلحة العباد الاعتناء بمعاهد العلم ونشر وسائله".
وكان قد بدأ بإعادة النظر في جامعة القرويين، سواء في برامج دروسها، أو نظام امتحاناتها، أو مقتضيات مُدرسيها، حتى "تكون جامعة للكلمة، مهذبة للأمة، حاملة راية الإصلاح، داعية إلى أسباب الفلاح"، وفق ما وضح في خطاب العرش عام 1360 ﻫ، الموافق سنة 1941م. وتعزيزاً لهذه الجامعة القروية، كان قد أمر عام سبعة وخمسين للهجرة، الموافق سنة ثمان وثلاثين للميلاد، بإحياء جامعة ابن يوسف التي كان تأسيسها في العهد المرابطي بمراكش. ثم لم يلبث أن أقام معاهد مماثلة لها في بعض المدن ؛ مع العمل على تعميم الحلقات العلمية في جميع المساجد، بناء على برامج مضبوطة ومقررات محددة.
أما الكتاتيب القرآنية وما يتصل بتنظيمها وتطويرها وتفتيشها وتطعيمها ببرامج دراسية وتخصيص بعضها للبنات، مع تقديم منح للمدرّرين ومن إليهم من "الفقيهات"، فقد أصدر بشأنها ظهيراً مؤرخاً في سابع شوال 1356ﻫ، الموافق 1937م. ولم يغفل عن بعض الكتاتيب التدجيلية التي كانت تتستر خلف تعليم القرآن الكريم فأمر بإغلاقها.
ولم يكن غريباً بمنظوره التجديدي للتعليم، أن تتحول كتاتيب كثيرة إلى مدارس عربية منظمة كانت في أول أمرها ابتدائية، ثم تطورت لتحتضن الدراسة الإعدادية والثانوية ؛ إضافة إلى ما كانت تنهض به من دروس مسائية لمحو الأمية مفتوحة للعموم.
ومن حَدَب السلطان المربي على هذا التعليم "الحر" الذي كانت الحركة الوطنية تساعد على النهوض به، لم يفتأ يساهم في تمويل منشآته ووضع حجرها الأساس، وتدشينها وحضور حفلاتها وإلقاء الخطب فيها ومنحها اسمه الشريف. وحين لا يتسنى له ذلك بشخصه، فإنه ينيب عنه أنجاله الأمراء والأميرات ؛ وكان قد أنشأ لدراستهم المعهد السلطاني الذي دشنه يوم الثلاثاء ثالث محرم 1361 ﻫ، الموافق للعشرين من يناير 1942م.
وإلى جانب رعايته المباشرة للتعليم الحر الذي أثمر الكثير، عُني بإحداث مدارس عصرية للفتيات، والإشراف التربوي المباشر عليها، مع العناية الفائقة باختيار معلميها الذين كانت تُجرى لتعيينهم مباراة في المشور السعيد.
على أن الاهتمام الملكي لم يقف عند هذا الحد، بل تعداه إلى احتضان أُولى بعثة مغربية للدراسة في فرنسا وجهها على نفقته الخاصة. وقد قدم في خطاب العرش عام 1364 ﻫ، الموافق سنة 1945م، تفاصيل هذه البعثة التي كانت تتكون من عشرة طلاب: "ثلاثة من أبناء فاس، واثنين من مراكش، واثنين من الرباط، وواحد من كل من سلا والدار البيضاء وأسفي. توجه هولاء العشرة، سبعة إلى باريز وواحد إلى بوردو وآخر إلى تولوز وآخر إلى نانسي ... درس ثلاثة منهم علم الحقوق، واثنان علم الطب، واثنان هندسة المعادن، وواحد طب الأسنان، وواحد الصيدلة، وواحد علوم الطبيعة".
وموازاة لهذه النهضة التعليمية، واعتباراً لإحدى أهم أدواتها - وهي الكتب - فقد أولى اهتماماً خاصاً بتأليفها ليُدرَّس بها في جامعة القرويين وابن يوسف وما إليهما ؛ مع التركيز على مقررات تمس بعض المواد كالتاريخ والجغرافيا والسيرة النبوية.
وتفعيلاً لهذا الاهتمام، أسس لجنة ملكية كانت مكونة من السادة عبد الرحمن بن زيدان، ومحمد بن علي الدكالي، ومحمد الفاسي، وعبد الله الجراري، وامحمد الناصري، وجعفر الناصري، وعبد الكريم بن المدني بن الحسني، ومحمد المهدي الحجوي، وعباس المعروفي. ورغبة منه في إظهار عمل هذه اللجنة، أنشأ مطبعة قال عنها في خطاب العرش لعام 1362 ﻫ، الموافق سنة 1943م، وهو يستعرض ما تم من منجزات: "كما يسر الله سبحانه إصلاحاً آخر لم يكن بالحسبان الحصول عليه في هذه الظروف الحرجة التي نَعبُرها. فقد أمكن تأسيس مطبعة تسهل وسائل التعليم وتكثر فوائده، إذ يمكن بها طبع كل الكتب المدرسية التي نتوقف عليها في كل طبقات التعليم الإسلامي. كما يتسنى طبع ما يؤلفه علماء الوقت في مختلف الأبحاث والفنون. وسنشكل لجنة خاصة لاختيار التآليف القديمة الموجودة في خزانات الكتب المغربية لنقوم بطبعها وينتفع بها العموم إن شاء الله. ولا نزال ندأب على ازدهار حقول العلم وأثمارها حتى يدنو قطوفها".
وكان من بين المنشورات الأولى لهذه المطبعة:
1 -   الفتوحات الإلهية في أحاديث خير البريّة، للسلطان سيدي محمد ابن عبد الله.
2 -   الجزء الخامس من دروس التاريخ المغربي، لعبد الله الجراري.
3 -   عصر المنصور الموحدي، لمحمد الرشيد ملين.
كما أنه إلى جانب اللجنة المذكورة، كوَّن لجنة أخرى موسعة، للنظر في المقررات الدراسية، كانت تضم ثمانية عشر عضواً من بين المهتمين بقضايا التعليم، وهم: عبد الله الجراري، ومحمد بن عبد الله العلوي، ومولاي الطيب العلوي، والعربي المسعودي، ومحمد العلمي، ومحمد بن العباس القباج، وعبد الرحمن الفاسي، وأحمد بوستة، وعبد المالك السليماني، وعبد الهادي بوطالب، ومحمد بن سالم بنكيران، ومولاي التقي العلوي، ومحمد التازي، وعبد الكريم بن الحسني، وعبد الهادي الشرايبي، ويونس نكروف. وقد عقدت اللجنة أول اجتماع لها بدار المخزن يوم سابع عشر محرم 1364 ﻫ، الموافق ثاني يناير 1945م.
في ظل هذه النهضة التعليمية والعلمية المباركة، كان لا بد للإبداع الأدبي أن يتفتح وينطلق، على الرغم من ظروف الحماية القاسية ومنعها للحريات، ولا سيما ما يمس التعبير. وكانت المناسبات الدينية والوطنية التي يرعاها جلالته فرصة للكتاب والشعراء كي يكسروا طوق الحِجْر المفروض، وأهمها الاحتفال بذكرى المولد النبوي وعيد العرش.
أما إقامة المولد، وهو تقليد سبق إليه المغرب قبل نحو من تسعة قرون، فكان يتيح للأدباء المبدعين في النثر والنظم المعرب والملحون، أن يتحدثوا عما تقتضيه المناسبة من مديح نبوي، بكل ما هو متعارف عليه فيه، مما يغذي المشاعر الدينية ويؤججها في النفوس. وكان يتيح لهم كذلك أن يربطوا بينه وبين الواقع، في استلهام مزيد من الثقة والثبات، وكذلك القوة والعزيمة لمواجهة ما تعانيه الأمة في هذا الواقع تحت ضغط الحماية. وهو ما كان يفضي بهم إلى التوجه للسلطان يمدحونه باعتباره حفيد الرسول صلى الله عليه وسلم، ويشيدون بمنجزاته ومواقفه، على نحو ما قال الشاعر عبد المالك البلغيثي في مولديته التي أولها:           
إذا الـذكـرى لأعيـاد تحق
*
فتزدان البـلاد لها وخلـق
. . . .
فأنت بها رسـول الله أَولـى
رسول الله يومك خيـر يوم
يذكرنا وفي الـذكرى اتعـاظ
ويجلي عن صـدور رَيْن حق
ويعرض في ضمائرنا شريطـــاً
*
*
*
*
*
ومولـدك المنـير بها أحق
له في الفضـل منقبة وسبق
لمن لهمُ بهذا الديـن حـدق
ويشرح صدر قوم فيه ضيق
لأيـام لها في المجــد خلـق
  وبعد أن استعرض وهو يخاطب النبي الكريم جوانب من سيرته العطرة وما خلف للإنسانية من أمجاد، ختم خطابه بمثل هذه الأبيات يشيد فيها بالسلطان وينوه ببعض إصلاحاته:
وسار بسيرك الخـلفـاء فينا
فأَعْـظمـهم وأَغْيرُهـــم عليــه
*
*
ترمم ما له بالـدهر نَتق
سَمِيُّك، ذا خليفتك الأحق
. . .
همــام مصلح شهم غيـور
يصوغ لعصره الذهبي طوقا
فرصع بالمعارف خيـر عقـــد
*
*
*
على غير الفضيلة لا يرق
ولم يك عنده للطوق عنق
سجية من له بالفـــن ذوق
وأوجد من شباب الجيل جيدا
وأصبـح للفتــاة بــه نبــــوغ
*
*
وذاك على سواه كم يشق
و لم يك قبله للبنت حــق
وأما عيد العرش، فكان مناسبة وطنية متميزة للتعبير. وقد صدرت المبادرة به إثر انعقاد المؤتمر الثالث لطلبة شمال إفريقيا المسلمين سنة 1933م؛ وتقررت المطالبة بإقامته وتأسست لذلك لجان في فاس والرباط ومراكش نظمت احتفالات رمزية في هذه السنة، قبل أن تتخذ في العام الموالي طابعاً رسمياً وشعبياً، ما كانت لتوافق عليه إدارة الحماية إلا مُكرهة.
وكانت الحصانة التي يحس بها الكتاب والشعراء في هذه المناسبة، دافعة لهم كي يعبروا عن مشاعرهم نحو الوطن والجالس على العرش في تطلع للحرية والاستقلال، والتنويه بما يحققه من منجزات وإصلاحات وبما له من مواقف جهادية لتحرير البلاد.
ولعلنا في غير حاجة إلى أن نؤكد أن ديوان العرشيات المنثور والمنظوم، سواء في المعرب أو الملحون، هو أضخم من أن تُختصر الإشارة إليه، خاصة وقد كانت تقام مباريات يتسابق الكتاب والشعراء للمشاركة فيها، والفوز بالجوائز التشجيعية التي كانت ترصد لها. ومن ثم فإنه يكفينا في التمثيل لهذه الظاهرة المتميزة أن نشير إلى القصيدة التي نعتبرها أول ما قيل في هذا الغرض وقبل أن تبرز فكرة الاحتفال بهذا العيد. وهي للشاعر الصحراوي محمد البيضاوي الشنجيطي الذي كان يومئذ قاضياً في دائرة وادي زم وبني عمير، وكان قدمها لجلالته مباشرة إثر مبايعته. وجاءت مزيجاً من تهنئته ورثاء والده، مع كل ما يقتضيه المجالان من مشاعر وعواطف كان قد عبَّر عنها كذلك شعراء آخرون بعد الشنجيطي، وكانت تُنشر تباعاً باسم "التهاني السلطانية" في جريدة "السعادة" التي كانت لسان حال الإدارة. وذلكم قبل أن تظهر ابتداء من أول أعوام الثلاثين صحف ومجلات وطنية كانت تُعنى بالتعبير عن الثقافة الجديدة وما لها من تطلعات.
وفي الأبيات الأولى لتلك القصيدة، قال الشنجيطي:
يبكي الكمال على الجلال مضمد
ملك جديــد والممـالـــك عمـرهــا
*
*
والمجد يبسم للأمير محمد
يزداد بـيـن تحـــول وتجــدد
ذهــب الإمـــام أبــو المحاســـن سـيــدي ومحمد كفؤ الإمـام السـيـد
التـاج أقسم لا يفـارق هامكـم
أَمحمـدٌ يابن الحُلاحـل يوسف
وارع الإمامـة والرعية مشفقـا
واكشف عن الأبصار كل غشــاوة
*
*
*
*
يا آل حيدرة و آل محمـد
جدد عهود محمـد ومحمد
بسياسة ورويـة وتعهـد
وغباوة فالجهـل أعظــم مفسد
وعلى الرغم من أننا لا نريد أن نطيل بذكر نماذج أخرى، فإننا نرى ضرورة لفت الانتباه إلى نمط من الأشعار داخل في هذا النوع من التعبير، كان يتسم بالقصر والخفة، وتنوع المقاطع والقافية، واعتماد التلحين الغنائي والأداء الجماعي ؛ ألا وهو "النشيد" الذي كانت الجماهير تتغنى به في الأعراس والمناسبات الوطنية وغيرها، كما كان تلاميذ المؤسسات الحرة يرددونه في الحفلات المدرسية. وكمثال عليه نسوق المقطع الأول من نشيد لعلال الفاسي يقول فيه:
يا مليك المغــرب يابن عدنان الأبي
نحن جند للفـدا   نحمي هـذا الملك
** ** **
انطلاقاً من هذه المنجزات الإصلاحية الداخلية وما نتج عنها من نهوض فكري كبير، تولد وعي وطني جديد تفعمه مشاعر حب وتعلق متبادلة بين ابن يوسف وشعبه. وكان في ذلك بعثٌ يدفع بقوة وحماس لمواجهة تحديات المرحلة والسعي إلى رفعها بجد وشجاعة. وكانت مركَّزة على ضرورة التحرر من الاستعمار، ووجوب استرجاع الحرية والاستقلال، في وقت كانت الآمال معلقة على السلطان الشاب، مع الحرص على مواكبته في مسيره الشائك وهو يخطو فيه بحزم وعزم وثبات وإصرار، ولكن كذلك برزانة واتزان وحكمة وصبر ؛ مع العلم أن المقاومة المسلحة التي بدأت منذ دخول الحماية إلى المغرب كانت ما زالت مستمرة في بعض مناطقه، ولم تهدأ إلا في منتصف سنوات الثلاثين الميلادية.
وهكذا ومباشرة بعد توليه، ستواجهه وقائع وأحداث كان دوماً يدبر أمرها بسياسة سلمية هادئة تسعى إلى تحقيق المكاسب المرجوة بأقل ما يكون من الخسائر التي قد يتكبدها الشعب أمام قوى الاستعمار الطاغية وجبروت مقيميه العامين ومن معهم من الأعوان.
من هذه الوقائع حادث الظهير البربري الذي صدر بالجريدة الرسمية في سادس عشر مايو 1930م، والذي كان يرمي إلى إنشاء محاكم عرفية يتقاضى إليها السكان الأمازيغ تعتمد الأعراف والتقاليد، بعيداً عن أحكام الشرع الإسلامي. وقد وُوجه بمعارضة شعبية شديدة وقف منها جلالته موقفا إيجابيا جعله يمتنع بعد ذلك من توقيع ما يقدم له من ظهائر. وهو ما أزعج إدارة الحماية وجعلها تتعامل معه بحذر شديد، متوقعة ما قد يصدر عنه من سلوك وطني لن يكون وفق ما ترضاه.
وفي عام 1353ﻫ، الموافق سنة 1934م، قدمت له الكتلة الوطنية التي كانت قد تأسست عاماً من قبل "مطالب الشعب" التي أيدها، ولا سيما أن النشاط السياسي الحزبي على امتداد فترة الكفاح الوطني كان يتم بتشاور وتنسيق سريين معه في الغالب. وهنا يشار إلى "دفتر المطالب المغربية" وكذلك "المطالب المستعجلة". وهما مما كان صدر عن الكتلة سنة 1936م، قبل أن تُحل في العام الموالي ليطلق عليها اسم "الحركة الوطنية لتحقيق المطالب"، ثم ليعلن في العام نفسه عن تكوين حزبين في المنطقة الجنوبية التي كانت تحت الحماية الفرنسية، أولهما "الحزب الوطني لتحقيق المطالب" الذي سيصبح فيما بعد "حزب الاستقلال" برئاسة علال الفاسي ؛ والثاني "الحركة القومية" التي سيتحول اسمها إلى "حزب الشورى والاستقلال" بإشراف محمد ابن الحسن الوزاني. أما في الشمال الذي كان تحت الحماية الاسبانية، فقد أُعلن عن ميثاق وطني وتأليف جبهة من حركة "الوحدة المغربية" التي أسسها محمد المكي الناصري، و"حزب الإصلاح الوطني" بزعامة عبد الخالق الطريس.
وكانت قد وقعت في هذا العام، وبالضبط في رابع يناير منه، احتجاجات على إحداث ضرائب جديدة على الأسواق وتجار المواد الأساسية. كما وقعت اعتقالات في صفوف الوطنيين من مختلف المدن والأقاليم، خاصة بعد حوادث "بوفكران" التي عرفتها مدينة مكناس، دفاعاً عن الماء، ابتداء من ثاني شتنبر، والتي أعقبتها في اليومين الرابع والعشرين والخامس والعشرين من الشهر نفسه حوادث في مراكش نتيجة تقديم الصناع بعض المطالب، مما ظهر معه تأييد كبير على مستوى المغرب كله.
وعلى الرغم من كل هذه المعاناة التي زاد في تأثيرها إجراء عملية جراحية للعاهل المفدى - أبى الله إلا أن تكلل بالنجاح - وذلك أواخر سنة 1356 ﻫ، الموافقة عام 1938م، فإنه حين نشبت الحرب العالمية الثانية في ثالث شتنبر 1939م، وظهرت حاجة فرنسا إلى المغرب لمؤازرتها وإلى سواعد أبنائه للدفاع عن حريتها، لم يتأخر جلالته في اتخاذ موقف مساند أعلنه جلالته في النداء الذي وجهه إلى شعبه يدعوه إلى المشاركة في هذه الحرب، والذي جاء فيه: "... هذه فرنسا الصديقة التي لم تأل جهداً في المحافظة على السلم قد أخذت اليوم أهبتها للدفاع عن شرفها وشرفنا وعن مجدها ومجدنا وعن مستقبلها ومستقبلنا جميعاً. فيجب علينا أن نقوم بواجبات محافظة العهد المتين، ولا يحافظ على العهود مثل عباد الله المومنين ... فمن هذا اليوم ... يتعين علينا أن نبذل لها الإعانة الكاملة ونعضدها بكل ما لدينا من الوسائل غير محاسبين ولا باخلين ...".
ومكافأة على هذا الموقف المشرف، وُعد السلطان باستقلال المغرب، وهو الوعد الذي أعرب عنه الرئيس الأمريكي روزفلت خلال مؤتمر أنفا الذي انعقد بالدار البيضاء يوم سابع عشر يناير 1943م، بحضور تشرشل والمقيم العام نوجيس وولي العهد يومئذ جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله. وكانت جيوش الحلفاء قد نزلت بالمغرب قبل ذلك في ثامن نونبر 1942م، على إثر انتهاء الحرب.
إلا أن هذا الوعد لم يتحقق، وظهرت على العكس أجواء تنذر بسياسة عنيفة، بعد أن عُين جبرييل بيو مقيماً عاماً جديداً، وكان معروفاً بالتشدد الذي مارسه من قبل في لبنان.
وكان لا بد لهذا الواقع أن يتفجر بإعلان "المطالبة بالاستقلال" وتقديم وثيقتها يوم الثلاثاء رابع عشر محرم 1363 ﻫ، الموافق حادي عشر يناير 1944م، باسم حزب الاستقلال، وكذا وثيقة أخرى باسم "الحركة القومية".
ومع هذا التقديم، بدأت تتوالى الوفود التي كان ابن يوسف يستقبلها ويخطب فيها، وفق ما فاه به يوم الثلاثين من محرم من هذه السنة، الموافق سابع عشر يناير من العام نفسه، مؤكداً لها ما يطمح إليه المغرب من استقلال، ومنبهاً إلى ضرورة سلوك طريق السلم لنيله، بعيداً عن ركوب متن الهرج والفتنة، لأن "... هذا شيء يجدر بحركتنا التحريرية أن تبتعد عنه وتسعى في تلطيف الجو وإنجاح المطالب بطريقة السلم والمفاهمة راجين المولى جلت قدرته العون على ما نروم من وصول ونصبو إليه من حرية واستقلال".
وفي اجتماعين تم عقدهما في هذا الشأن بالقصر الملكي في الرباط، يوم الثامن والعشرين من يناير بين جلالته ومندوب الخارجية الفرنسية والمقيم العام، تبين للأسف أن فرنسا مصممة على بقاء الحماية. فكان أن شنت حملة اعتقالات مما أدى في اليوم الموالي إلى إضراب عام وخروج الجماهير الرباطية في مظاهرة كبيرة اتجهت إلى القصر الملكي، منددة بهذه الاعتقالات ومطالبة بإطلاق سراح الوطنِيَيْن البارزين محمد اليزيدي والحاج أحمد بلافريج.
وكان لتدخل العاهل الكريم أثر في تخفيف حدة الأزمة وإطلاق سراح اليزيدي، والتعهد بإطلاق بلا فريج ؛ مع الدعوة إلى التزام الهدوء والسكينة وضبط النفس. إلا أن القوات الفرنسية ما لبثت أن طوقت العاصمة، وحالت دون التحاق الناس بالجامع الأعظم لأداء صلاة عصر هذا اليوم. فكان أن وقعت أحداث دامية نتج عنها استشهاد ضحايا، ومحاكمة عدد من المصلين.
ومن مظاهر اشتداد الأزمة الذي بلغ حد تهديد السلطان، أن المقيم ﮔابرييل بيو سأله في لقاء به هذا اليوم:
- هل أنتم مع فرنسا أم ضدها ؟
فأجابه:
- أنا لست ضد فرنسا كما تعرف أنت ذلك، ولكني أقف مع حرية شعبي واستقلال بلدي.
وإذ اتضح لحكومة الحماية عدم جدوى هذه السياسة العنيفة، ورغبة منها في تخفيف حدتها، وجهت لسيدي محمد دعوة لزيارة فرنسا بمناسبة الاحتفال يوم ثامن عشر يونيو 1945م بالذكرى الخامسة للنداء التاريخي الذي وجهه دوﮔول إلى الشعب الفرنسي. وقد تميزت هذه الرحلة بتوشيح جلالته بوسام التحرير اعترافاً بما قدمه لفرنسا أثناء المحنة.
كما عمدت في الثلاثين من مارس 1946م، إلى تعيين مقيم عام جديد هو إيريك لابون. فكان من نتائج ذلك أن قام العاهل برحلة طنجة يوم تاسع أبريل 1947م، على الرغم من الأحداث التي سعت إلى عرقلتها، والتي وقعت بالدار البيضاء قبل بدء الرحلة بثلاثة أيام.
وعلى الرغم من أنه كان قد قام بزيارات لعدة مدن وأقاليم، على نحو رحلة الدار البيضاء (1934م)، ومكناس والصويرة (1936م)، ومراكش (1937م)، وفاس (1940م)، وتافيلالت (1941م)، ووجدة (1943م)، وسوس (1945م) وغيرها، مع تكرار الزيارة لبعضها، بقصد تفقد أحوال السكان وتدشين منشآت دينية وتعليمية واجتماعية، فقد اعتبرت رحلة طنجة حدثا متفرداً بحكم الوضعية الدولية التي كانت لهذه المدينة، والتي أتاحت لجلالته أن يستقبل ممثلي الدول الأجنبية وغيرهم من المسؤولين، وأن يطلعهم على مطامح الشعب المغربي، على نحو ما جاء في التصريح الذي ختمه بقوله: "أنتم على علم بأن المغرب شارك في الحرب الأخيرة بأبنائه وبجميع ما لديه من الوسائل حتى حصل على النصر النهائي. ولما صارت الأمم تطالب بحقوق تناسب الوقت الحاضر، فمن الحق أن ينال الشعب المغربي حقوقه الشرعية، وأن يقع تحقيق ما نتمناه ويتمناه الشعب المغربي من المطامح التي نتوق إليها كسائر الأمم".
وإثر ذلك ألقى في الجماهير خطابه المشهور الذي أكد فيه أنه: "إذا كان ضياع الحق في سكوت أهله عنه، فما ضاع حق من ورائه طالب. إن حق الأمة المغربية لا يضيع ولن يضيع. فنحن بعون الله وفضله على حفظ كيان البلاد ساهرون، ولضمان مستقبلها الزاهر المجيد عاملون، ولتحقيق تلك الأمنية التي تنعش قلب كل مغربي سائرون".
وكان من أهم ما جاء في هذا الخطاب التاريخي حديثه عن الجامعة العربية "التي متنت العلاقات بين العرب أينما كانوا، ومكنت ملوكهم ورؤساءهم في الشرق وفي الغرب من توحيد خطتهم وتوجيه سيرهم نحو الهداية الدينية والعزة الإسلامية والكرامة العربية".
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الرحلة تعززت بزيارة أصيلة، وكذا باستقبال الوفود التي جاءت من تطوان والقصر الكبير ومختلف أنحاء المنطقة الشمالية، وتميزت بوضع الحجر الأساسي لعدد من المؤسسات التعليمية، وتدشين أخرى، وغيرها من المنشآت الدينية والاجتماعية. كما تميزت بالخطبة التي ألقاها يوم الجمعة حادي عشر أبريل، في الجامع الأعظم حيث أمَّ بالناس في الصلاة ؛ دون أن ننسى الزيارات التي كان يقوم بها ولي عهده والخطب التي كان يلقيها بالمناسبة، على حد ما فعل عند تدشين مدرسة عبد الله ﮔـنون، وكذا في الحفل الذي أقامه الكشافة المسلمون.
ونظراً لأهمية هذه الرحلة على الصعيد الداخلي والخارجي وما كان لها من سوء وقْع في إدارة الحماية، فإنه ما كان السلطان يعود منها حتى بدأت حملة تسميم للأجواء بإصدار نشرات ضد شخصه الكريم. كما كان تعيين الجنرال جوان في مايو من العام نفسه مقيماً عاماً، باقتراح من جورج بيدو وزير الخارجية إذ ذاك، منذراً بما ستؤول إليه المرحلة. وهو ما ينم عنه تصريح رئيس الحكومة رامَادْيي الذي قال في اجتماع مجلس الوزراء مبرراً هذا التعيين: "إن السلطان الذي هو رجل سياسة كبير سيفهم وينبغي أن يفهم أنه يمكن عزله من قبل فرنسا. لذلك يحتاج إلى عسكري".
وقد اتسمت فترة هذا المقيم بالتعنت والتصلب ومحاولة فرض بعض الإصلاحات، على نحو ما كان يرومه من تنظيم البلديات وإجراء انتخابات بشأنها تمنح للفرنسيين بمقتضاها تمثيلية متساوية مع المغاربة. وهو ما رفضه سيدي محمد، وامتنع عن توقيع الظهير الخاص به.
في هذا الجو المشحون، تلقى جلالته دعوة لزيارة فرنسا من رئيس جمهوريتها ڤنسان أُورْيول. وهي الزيارة التي تمت في أكتوبر 1950م، والتي اغتنمها لتقديم مذكرة بمطالب المغرب المشروعة. إلا أن هذه المذكرة لم تلق الرد الملائم. بل كان أن أمعنت إدارة الحماية في سلوكها المتشدد، فأحدثت في دجنبر من هذا العام "مجلس شورى المقيم" الذي طرد منه بعض الوطنيين، واضطر آخرون إلى الانسحاب منه.
وبلغ هذا السلوك أوجه بكثرة الاعتقالات في صفوف رجال الحركة الوطنية، وكذا بتهديد السلطان - إن هو لم يتخل عن الوطنيين - أن يتنازل عن العرش أو يخلع إذا لم يتنازل.
وإعداداً لهذا المخطط الاستعماري، عينت فرنسا مقيماً عاماً عسكرياً آخر في أكتوبر من العام نفسه، هو الجنرال ﮔيوم الذي تأكد في أول لقاء له مع العاهل مدى إصرار جلالته على موقفه. فقد قال له: "قد يكون التمسك بالمبدأ عيباً في نظر بعض الناس، ولكنه شرف عندنا".
وبعد نحو شهر من هذا التعيين، جاء خطاب العرش ليؤكد قوة هذا الإصرار و"الثبات على المبدأ والمثابرة والصبر والمصابرة. فبدون كد واجتهاد لا يرجى أدنى إصلاح ولا ينال فوز ولا فلاح"، إذ "جرت سنة الله في خلقه بامتحان الأنبياء والصديقين وفتنة المخلصين والمصلحين ليبلوهم أيهم أحسن عملاً. قال تعالى: )أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين(. وكفى بسيرة رسول الله عليه الصلاة والسلام برهاناً ساطعاً ونبراساً نيراً لامعاً. أُوذي صلى الله عليه وسلم فما وهنت عزيمته ولا ضعفت حجته ولا استكانت في الحق صرامته. التفت في أحرج المواقف إلى عمه حين عرض عليه المال والجاه ليتخلى عن تبليغ الدعوة فقال: "والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر أو أهلك دونه لما تركته". بهذه العزيمة القوية والهمة العلية وبحلمه الكامل وعفوه الشامل استطاع صلى الله عليه وسلم أن يهزم الباطل بدامغ حجته، فكان النصر في النهاية حليف دعوته". وكانت الأزمة قد اشتدت في فبراير سنة إحدى وخمسين وتسعمائة وألف للميلاد، على إثر رفض السلطان لطلب المقيم العام بقطع علاقته مع الوطنيين.
وإِذْ كانت المسألة المغربية قد بلغت درجة قصوى من التأزم، سارعت الدول العربية إلى عرضها على الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة، تعززها باقي الدول الإسلامية وغيرها في مساندة المغرب وتأييده في تطلعه للاستقلال. وهو ما اتخذته فرنسا ذريعة لاتهام ابن يوسف بالاستنجاد بالخارج.
ومواصلة من جلالته لمحاولات تجاوز الأزمة التي لم تكن تزيد إلا احتداداً، رفع في خامس عشر مارس 1952م مذكرة جديدة إلى رئيس الجمهورية الفرنسية ڤنسان أُورْيول، بواسطة المقيم العام، يقترح فيها إقامة علاقات بين البلدين على أساس معاهدة صداقة بدل معاهدة الحماية، تضمن للمغرب حريته وسيادته، مع ما يقتضي ذلك من تشكيل حكومة مغربية تتولى المفاوضة بهذا الشأن. إلا أن الجواب الفرنسي جاء بالرفض، زاعماً أن الإصلاحات ينبغي أن تبدأ من الأسفل لا من الأعلى، أي بتكوين مجالس وجماعات مختلطة.
فما كان من العاهل إلا أن وجه مذكرة أخرى تؤكد موقفه. ثم جاء خطاب عيد العرش لهذا العام (1952م)، ليعلن بصراحة لا وضوح بعدها ولا مزيد عليها أن "مثل الحماية كمثل قميص جعل لطفل صغير فكبر الطفل ونما وترعرع وبقي القميص على حاله".
ولا عجب، فقد كان هذا العيد الذي وصف بـ "الفضي" مناسبة متميزة بمظاهر شتى أعرب عنها المغاربة، دالة على مدى عمق المشاعر والأحاسيس الوطنية، وشحذ العزائم والأفكار، وتقوية الإجماع، والتفاف الشعب بمختلف هيآته وفئاته حول شخص سيدي محمد الذي غدا البطل القائد لمسيرة التحرير، والرمز الأسمى للوطنية والنضال، والمكافح المستعد للتضحية بنفسه في سبيل إسعاد أمته وتحقيق رغبتها في الاستقلال.
في هذا الظرف العصيب، وقد زادت حدة التوتر التي أدت إليها الأحداث المتلاحقة، اقترحت إدارة الحماية إصلاحات تقوم على إحياء الجماعات والمجالس المحلية للقبائل، مما كان أُلغي قبل. كما أخذت في الإعداد لحركة الباشوات والقواد، تمهيداً لتنفيذ خطة الخلع التي سبق التلميح إليها، والتي ما كاد يشيع خبرها حتى هبت الجماهير إلى التظاهر، إعلاناً عن احتجاجها، وتعبيراً عن التفافها حول عاهلها المجاهد.
وعلى إثر المظاهرة الكبيرة التي انطلقت في الرباط يوم الحادي عشر من هذا الشهر، أصدرت إدارة الحماية بلاغاً يخبر بأن جلالته قد وقع الظهائر المتوقفة. وفي الوقت ذاته، تم الإخبار بتنصيب محمد بن عرفة(2) في مدينة مراكش بحضور المقيم العام، سلطاناً على المغرب، وفق اختيار الباشوات والقواد الذين كان يتزعمهم التهامي الـكَلاوي.
فما كان من الشعب الغاضب إلا أن لجأ إلى مزيد من التظاهر والتجمع في المساجد لتلاوة القرآن الكريم وقراءة اللطيف. وكان واضحاً أن الأزمة بلغت أشدها، منذرة بما سيحدث بعد ظهر يوم السبت تاسع ذي الحجة 1372ﻫ، الموافق للعشرين من غشت 1953م، على الساعة الواحدة والنصف بعد الزوال. فقد فاجأ الجنرال كَيوم جلالة ابن يوسف في قصره بعد أن طوق بقوات عسكرية هائلة كانت فرقها تحاصر العاصمة، وطلب منه أن يتنازل عن العرش، وإِلاَّ كان مآله النفي. وهو ما يكشفه الحوار الذي أورده ولي عهده يومئذ جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله في كتابه "التحدي" على هذا النحو:
-     إن الحكومة الفرنسية لدواعي الأمن تطلب منكم التنازل عن العرش، فإذا قبلتم ذلك عن طيبة خاطر، استطعتم أنتم وأسرتكم أن تقيموا في فرنسا أحراراً معززين مكرمين.
-     ما من شيء في أعمالي وأقوالي يبرر أن أتخلى عن أمانة أضطلع بأعبائها بصفة مشروعة. وإذا كانت الحكومة الفرنسية تعتبر أن الدفاع عن الحرية والشعب بمثابة جريمة يعاقب عليها، فإني أعتبرها فضيلة يفاخر بها وتورث صاحبها المجد.
-     إذا لم تتنازلوا حالاً عن العرش بالرضى، فإني مكلف بإبعادكم عن البلاد صيانة للأمن.
-     إني ملك المغرب الشرعي، ولن أخون أبداً الأمانة التي ائتمنني عليها شعبي الوفي المخلص. إن فرنسا قوية فلتفعل ما تشاء.
وفور إنهاء هذا الحوار مباشرة، سيق بطل التحرير وأسرته إلى المنفى في كورسيكا ثم مدغشقر. وهو حادث زاد في إلهاب مشاعر الشعب المتعاطف مع قائده. فبالإضافة إلى مختلف الأشكال الاحتجاجية، من إضرابات، وتقديم العرائض، ومقاطعة بعض السلع، وتجمعات المساجد، ومظاهرات تنادي الجماهير فيها بـ "ابن يوسف إلى عرشه" وتواجَه بالعنف والتنكيل، فتح مجال جديد للمقاومة التي عُرفت يومئذ بحركة "الفداء". وكانت قد بدأت متجلية في عمليات كثيرة ومتنوعة، كان من أهمها ما قام به الشهيد علال بنعبد الله الذي تصدى لابن عرفة بخنجر طعنه به وهو متجه لأول مرة بعد تنصيبه إلى مسجد أهل فاس في مشور تواركَـة بالرباط لأداء صلاة الجمعة، يوم فاتح محرم 1373ﻫ، الموافق حادي عشر شتنبر 1953م، وجعله يعود إلى القصر مدرجاً بالدماء. وشبيه بهذا الحادث، ما وقع لدا أداء الصلاة بمسجد بَرِّيمة في مراكش حيث انفجرت قنبلة ظهر الجمعة الثامن والعشرين من جمادى الثانية 1373ﻫ، الموافق خامس مارس 1954م.
ومن المنفى الذي سعد السلطان المناضل فيه يوم الأربعاء عاشر شعبان 1373ﻫ، الموافق رابع عشر أبريل 1954م بمولودة أكملت عقد أنجاله، مبشرة بفجر جديد، كان يتابع مجريات الأحداث وينتهز كل فرصة لمزيد من التواصل مع شعبه، وحثه على متابعة الكفاح بصبر وثبات، على نحو ما يظهر من الخطاب الذي وجهه من مدغشقر في ثامن عشر نونبر 1953م بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لجلوسه على العرش، والذي جاء فيه: "أيها الشعب الوفي، إن شعورنا بالواجب وبقداسة الرسالة الملقاة على عاتقنا نحو الوطن العزيز وما ألهمنا الله به من ثبات ومصابرة، كل ذلك جعلنا نستهين بالصعاب ونتحمل الشدائد ونضحي بكل شيء في سبيل تحقيق ما تصبو إليه البلاد من عزة وكرامة وحرية. إننا بمناسبة هذه الذكرى العزيزة عليك، التي تعرب فيها دائماً عن الولاء والإخلاص والمحبة نحونا، لنهيب بك أن تواصل الكفاح وتضاعف الجهود وتتمسك بحبل الله المتين في سبيل تحقيق ما تصبو إليه من عزة وكرامة وحرية. فإن ذلك وحده يخفف عنا آلام البعد عن الوطن ووحشة الغربة في هذه الجزيرة المنعزلة التي تحول بيننا وبين مشاركتك شرف الجهاد في سبيل تحرير البلاد".
** ** **
وما إن انقشعت الأزمة بعودة الملك من المنفى يحمل بشرى بزوغ فجر الحرية والاستقلال، يوم الأربعاء فاتح ربيع الثاني 1375ﻫ، الموافق سادس عشر نونبر 1955م، حتى بدأت مرحلة جديدة استهلت بإطلاق سراح جميع الوطنيين المعتقلين، ثم بتأسيس الحكومة الأولى برئاسة امبارك البكاي يوم الأربعاء الثاني والعشرين من ربيع الثاني الموافق سابع دجنبر من هذا العام، وكذا بتدشين المفاوضات التي أجراها جلالته في فرنسا مع رئيس جمهوريتها روني كوتي، ابتداء من يوم الأربعاء ثالث رجب 1375ﻫ، الموافق خامس عشر فبراير 1956م، والتي أفضت إلى التوقيع على وثيقة الاستقلال في تاسع عشر رجب 1375ﻫ، الموافق ثاني مارس 1956م. ومثلها المفاوضات التي بدأها مع إسبانيا بمدريد يوم الخميس الثالث والعشرين من شعبان الموافق خامس أبريل من العام نفسه. وكان القصد منها جميعاً بلورة مقتضيات الاستقلال وإثارة كل المشاكل العالقة، وعلى رأسها وحدة التراب الوطني.
وبعد ذلك، تم تكوين القوات المسلحة الملكية التي كان انضم إليها عدد من قادة جيش التحرير وأعضائه. وقد جرى أول استعراض لها في الرباط يوم السبت فاتح شوال 1375 ﻫ، الموافق رابع عشر مايو 1956م.
وإيماناً من الملك المحرر بالديمقراطية وتنظيم الحكم على أساس ملكية دستورية كان ينادي بها في خطبه، فقد عمل جلالته على إنشاء المجلس الوطني الاستشاري الذي أصدر به ظهيراً شريفاً في الخامس والعشرين من ذي الحجة 1375ﻫ، الموافق ثالث غشت 1956م، والذي افتتح أولى جلساته بالرباط في ثامن ربيع الثاني 1376ﻫ، الموافق ثاني عشر نونبر 1956م.
ثم أتبع ذلك بإصدار قانون الحريات العامة في ثاني جمادى الأولى 1378 ﻫ، الموافق فاتح نونبر 1958م، وكذا قانون الانتخابات بظهير شريف مؤرخ في السابع والعشرين من صفر 1379ﻫ، الموافق فاتح شتنبر 1959م، ونظام المجالس البلدية والقروية في الثامن والعشرين من ذي الحجة 1379 ﻫ، الموافق للثالث والعشرين من يونيو 1960م، قبل أن يعلن عن تعيين مجلس تأسيسي لإعداد مشروع الدستور يوم ثاني ربيع الأول 1380ﻫ، الموافق غشت 1960م، وكان قد صدر به ظهير شريف مؤرخ في ثالث عشر جمادى الأولى 1380ﻫ، الموافق ثالث نونبر 1960م.
وإذا كان من الصعب في هذه الترجمة الوجيزة استعراض المنجزات العديدة التي تمت على مدى السنوات الخمس التي عاشها جلالة الملك محمد بن يوسف في ظل الاستقلال، وكذا المشكلات التي اعترضته خلال هذه الفترة، فإنه لا مناص من الإشارة إلى أهمها.
فعلى الصعيد الداخلي، كان مضطراً إلى مواجهة بعض مظاهر العصيان، كحركة عدِّي وبِيهِي في يناير 1957م، وإلى رد بعض الاعتداآت الأجنبية مثل ما وقع إثر الهجوم الإسباني على سيدي يفني المحتل في نونبر من هذا العام، وكذا أزمة الريف التي عاشها المغرب في يناير 1959م، والمناوشات العسكرية الاستعمارية المتكررة في بعض المناطق الحدودية ولا سيما الشرقية ؛ وأفظعها الزلزال العنيف الذي أصاب مدينة أكَـادير يوم الاثنين فاتح رمضان 1379 ﻫ، الموافق للتاسع والعشرين من فبراير 1960م.
وتحت تأثير الأزمة السياسية التي كانت تظهر من حين لآخر، خاصة فيما يتعلق بتشكيل الحكومة، فقد ترأس بنفسه الحكومة التي أعلن عنها يوم الخميس التاسع والعشرين من ذي القعدة 1379ﻫ، الموافق للسادس والعشرين من مايو 1960م.
وسعياً إلى استكمال الوحدة الترابية واسترجاع بعض الأقاليم، تمت استعادة طرفاية في فبراير 1958م. وفي الشهر نفسه، وبالضبط في السابع عشر منه، كسَّر جلالته بيده في عرباوة حاجز الحدود بين الشمال والجنوب.
ثم إنه قام بزيارات لعدد من المدن والأقاليم، بقصد الاطلاع المباشر على أحوالها، والوقوف شخصياً وعن قرب على حاجياتها، والبدء في بعض المشروعات الحيوية، كإنشاء جامعة عصرية في الرباط تحمل اسمه الشريف، وكان قد تم تدشينها في الثامن والعشرين من جمادى الأولى 1377هـ، الموافق للواحد والعشرين من دجنبر 1957م، وكإقامة السدود على نحو ما تم بتشييد سد اقْليلة على نهر ملوية في يونيو 1960م. وهو الشهر الذي شرع أثناءه في إعادة بناء أﮔـادير التي كانت تهدمت في الزلزال.
أما على الصعيد الخارجي، فقد استقبل جلالته خلال هذه الفترة عدداً من قادة الدول العربية والأجنبية، أمثال فيصل الثاني ملك العراق (صيف 1956م)، وسعود بن عبد العزيز عاهل المملكة العربية السعودية، وعبد الإلاه ولي عهد العراق (فبراير 1957م)، والحبيب بورقيبة رئيس الجمهورية التونسية (نونبر من العام نفسه)، وأحمد سيكوتوري رئيس جمهورية غينيا (دجنبر 1959م)، والحسين ملك الأردن (أبريل 1960م)، وأحمد سوكارنو رئيس الجمهورية الأندونسية، وايزنهاور رئيس الولايات المتحدة الأمريكية (مايو 1960م)، وجمال عبد الناصر رئيس جمهورية مصر (يناير 1961م)، وبريجنيف رئيس الاتحاد السوفياتي (فبراير 1961م).
ثم إن جلالته قام بزيارات لعدد من الدول الشقيقة والصديقة، ومن بينها تونس (أكتوبر 1956م)، وفرنسا وإيطاليا (يناير 1957م)، والولايات المتحدة الأمريكية (نونبر من العام نفسه)، والمملكة العربية السعودية (يناير 1957م)، وبلجيكا (مايو من السنة نفسها)، وكورسيكا ومدغشقر (فبراير 1959م)، وسويسرا (يوليوز من العام نفسه ثم في شتنبر 1960م). وفي هذا العام، وعلى مدى نحو شهر ، بدءاً من 8 رجب 1379 ﻫ، الموافق سابع يناير 1960م، زار مصر وسوريا والسعودية والعراق والكويت والأردن ولبنان.
ثم توجت منجزاته على المستوى الخارجي بالدعوة إلى أول قمة إفريقية. وهي التي عقدت بالدار البيضاء في رجب 1380 ﻫ، الموافق يناير 1961م. وذلك شهراً واحداً قبل أن يختاره الله إلى جواره يوم الأحد عاشر رمضان الموافق للسادس والعشرين من فبراير، على إثر عملية جراحية أجريت لجلالته في اليوم السابق. ودُفن أول الأمر في ضريح جده الحسن الأول بالمشور بعد أن صُلي عليه في مسجد حسان الذي سيقام إلى جواره ضريح باسمه لينقل إليه في عاشر رمضان 1391ﻫ، الموافق للثلاثين من أكتوبر 1971م.



(1) نذكر منها بعض الكتب التي كانت مراجع لهذا العرض، وهي:
·   الدرر الفاخرة بمآثر الملوك العلويين بفاس الزاهرة، لعبد الرحمن ابن زيدان – المطبعة الاقتصادية، الرباط 1356 = 1937م.
·   من سلطان المغرب إلى شعبه الوفي (وهي مجموعة تضم الخطب التي ألقاها محمد الخامس من 1359 إلى 1371 =1940-1951م) – المطبعة المحمدية، الرباط 1372 = 1952م.
·   حياة بطل التحرير محمد الخامس، لعبد الله الجراري (والدنا رحمه الله)، وهو مجلد مسجل في الخزانة الحسنية بالرباط تحت رقم 6912. وقد طبع ضمن منشورات النادي الجراري (رقم 37) بإعداد الدكتور مصطفى الجوهري (الطبعة الأولى – الأمنية – الرباط 1427 =2006م).
·   الحسن الثاني: حياته وجهاده ومنجزاته، لعبد الوهاب بنمنصور - ج1 - المطبعة الملكية، الرباط 1389 = 1969م.
·   التحدي، لجلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله – الطبعة الثانية، المطبعة الملكية، الرباط 1403 = 1983م.
·   الندوة الدولية حول محمد الخامس الملك الرائد، تنظيم جمعية رباط الفتح من 16 إلى 20 نونبر 1987م – مطبوعة في مجلدين.
·   أضواء على الرباط: الجهة والمدينة، لصاحب هذا العرض – منشورات النادي الجراري (رقم 21)، مطبعة الأمنية، الرباط 1422 =2002م.
·   محمد الخامس: دراسات وشهادات -إعداد عبد الحق المريني، الرباط 1408= 1988م.
   وفيات وتقاييد تاريخية للوالد رحمه الله (مخطوطة).
(2) ولد عام 1886م، ووالده هو عرفة شقيق السلطان الحسن الأول ابن السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمن. وكان عرفة خليفة لأخيه على فاس وأقاليم الشمال، وكان كذلك من المساندين للمولى عبد العزيز ضد أخيه المولى عبد الحفيظ.
وقد توفي محمد بن عرفة في 18 يوليوز 1976 بمنفاه الاختياري في مدينة نيس الفرنسية التي كان انتقل إليها من طنجة التي كان اختار الإقامة بها بعد قرار عزله وعودة الملك الشرعي المولى محمد بن يوسف، ودفن في باريز ثم نقل جثمانه بعد مدة إلى المغرب حيث دفن بمقبرة باب الفتوح في فاس.


إرسال تعليق