محمد لبويهي
موقف العباسيين من الامويين في الاندلس
ملخص المقال يبين المقال طبيعة موقف العباسيين من الأمويين في الأندلس, من خلال ثورة العلاء بن مغيث وثورة الصقلبي، وأسباب فشل العباسيين في السيطرة على الأندلس. موقف العباسيين من الأمويين في الأندلس أهم مقتطفات المقال بفشل حركة العلاء انتهت محاولة المنصور بالقضاء على الإمارة الأموية في الأندلس، وقامت محاولات العباسيين بمجيء الخليفة المهدي (158-169هـ=755-785م) الذي كان لا يقل طموحًا عن المنصور في ضمِّ الأندلس تحت لوائه، وربَّما كان عدم إقدام المنصور على محاولةٍ ثانيةٍ لاتِّعاظه بما حصل للعلاء، أو لعدم وجود شخصٍ كالعلاء يستطيع المجازفة، توافرت الفرصة للخليفة المهدي بالقضاء على الأمويين بوجود شخصيَّةٍ مناسبةٍ على استعدادٍ كبيرٍ للتضحية والطموح في تولِّي الأندلس. أقدم الأمير عبد الرحمن الداخل على إثر انتصاره في معركة المصارة ونجاحه في إقامة الإمارة الأموية في الأندلس، على قطع اتصالات الأندلس بالخلافة العباسية، وقام بذلك بعد أن استقرَّ ملكه في الأندلس؛ فما إن مضت أشهر دون السَّنَة حتى أمر بقطع الدعاء والخطبة للعباسيين، وهذا يعني انفصال الأندلس رسميًّا عن الخلافة العباسية، ويعني -أيضًا- أنَّ الأمير الداخل لم يعترف بسلطان العباسيين وخلافتهم عن العالم الإسلامي، ومن جانبٍ آخر، كانت الخلافة العباسية تنظر إلى الداخل وإمارته في الأندلس نظرة الخلافة الشرعية إلى العاصي المتمرِّد على طاعة الخلافة. وكان خلفاء بني العباس -ولا سيما الأوائل منهم- يتمنون زوال هذه الإمارة ويسعون إلى ضمِّ الأندلس إلى سلطانهم، ولكن ظروف الدولة ومشاكلها وبعد الأندلس عن مركز الخلافة حال دون بعث جيشٍ عباسيٍّ لضمِّ الأندلس، ولكنهم لم يتأخروا في تقديم الدعم المادي والمعنوي لكل من حاول ضرب الإمارة الأموية آملين في ضم الأندلس إلى كيانهم، وأهمُّ الحركات التي حاولت القضاء على الأمويين- وكانت باسم الخلافة العباسية، هي: أولًا: حركة العلاء بن مغيث تختلف المصادر في نسب العلاء بن مغيث؛ فالبعض يُطلق عليه لقب اليحصبي والآخر الجزامي وكذلك الحضرمي، وتختلف المصادر -أيضًا- في المنطقة التي يعود إليها العلاء: فالبعض يُشير إلى أنَّه من أهل باجة في الأندلس وأنَّه كان على رأس جند باجة، فيما يُشير البعض الآخر إلى أنَّه من أهل إفريقيا قَدِمَ إلى الأندلس واستقرَّ في باجة معلنًا حركته على الداخل، وتتَّفق الروايات على أنَّه بدأ حركته في باجة غرب الأندلس (جنوب البرتغال حاليًّا) أو في (لقتت) أحد أعمال باجة، وكان ذلك في سنة (146هـ=763م). فيما تذكر رواية أخرى أنَّ حركة العلاء كانت في سنة (149هـ=766م). والأرجح سنة (146هـ=763م) لإجماع المصادر على هذا التاريخ. وعلى الرغم من أهمية حركة العلاء وخطورتها على إمارة الداخل، فلم تزوِّدنا المصادر بتفاصيل كافية حول طبيعة الحركة وصيغة الاتصال بين العلاء وبين الخلافة العباسية؛ فمثلًا يذكر صاحب كتاب (أخبار مجموعة) أنه "ثار عليه العلاء بن مغيث اليحصبي –ويُقال: حضرمي- بباجة وسوَّد، ودعا إلى طاعة أبي جعفر المنصور، وكان قد بعث إليه بلواء أسود". فيما تذكر رواية أخرى "أنَّ المنصور كان أرسل للعلاء بولاية الأندلس، فنشر الأعلام السود وقام بالدعوة العباسية بالأندلس". في حين يذكر المقري أنَّه "سنة 146هـ سار العلاء بن مغيث اليحصبي من إفريقيا إلى الأندلس، ونزل بباجة الأندلس داعيًا لأبي جعفر المنصور". إنَّ عدم التصريح الواضح من قبل المصادر حول حقيقة حركة العلاء يجعلنا نتساءل: هل كان العلاء من أتباع الخليفة المنصور وعاملًا للخلافة العباسية منفذًا لأوامرها ومندفعًا من قبلها في حركته؟ أو كان مستغلًا اسم الخلافة في حركته ليُضفي عليها الصفة الشرعية ليجمع أكبر عددٍ من الناس حوله في سبيل تحقيق طموحه الشخصي في توليه الأندلس؟ وهل بدأ العلاء مراسلة الخلافة العباسية قبل القيام بحركته؟ أو راسله الخليفة المنصور عندما عَلِم بحركته بالأندلس، راميًا عليه تأييده وباعثًا له كتابًا ينصُّ على توليِّه أمر الأندلس وأعلامًا سودًا شعار حركته، مستغلًّا إيَّاه في سبيل القضاء على الداخل وإمارته، وضمِّ الأندلس إلى السلطة العباسية ولو اسميًّا؟ لا نستطيع الجزم في الجواب عن هذه التساؤلات. ولكنَّنا نُرجِّح أن يكون العلاء بن مغيث من أتباع الخليفة المنصور، مستندين في ذلك إلى ما يأتي: 1- خروج العلاء بن مغيث من إفريقيا والذي نصَّت عليه معظم الروايات التاريخية؛ لا يُمكن أن يتم هذا الخروج دون علم والي إفريقيا من قِبَلِ الخليفة المنصور. 2- تفويض المنصور للعلاء بولاية الأندلس، واللواء الأسود الذي بعثه المنصور للعلاء برفقة كتاب جاء فيه: "إن كان فيك محمل لمناهضة عبد الرحمن، وإلَّا فأبعث إليك بمن يُعينك". كلُّ ذلك يقوِّي الرأي القائل: إنَّ العلاء كان مندفعًا بحركته من قِبَل الخليفة المنصور. 3- إقدام الأمير عبد الرحمن الداخل على بعث رأس العلاء بعد قتله ورءوس زعماء حركته برفقة كتاب المنصور ولوائه الأسود إلى الخليفة المنصور مغدقًا الأموال لمن يحمله إلى الخليفة؛ وكان ذلك بمثابة تحدٍّ من الداخل للخلافة العباسية معلمًا علنًا للمنصور فشل حركته ومحاولته النيل من الإمارة الأموية، مشعرًا إيَّاه بقوَّته وعزمه. 4- قول المنصور حينما وصله رأس العلاء: "إنا لله، عرضنا بهذا المسكين للقتل". إنَّ كلَّ ما تقدَّم يقوي الرأي القائل: إنَّ العلاء كان من أتباع المنصور، مندفعًا من قبله، الذي وجد فيه حبًّا للولاية وخصومة للأمويين، فأراد استغلاله في القضاء على الإمارة الأموية. بدأ العلاء بن مغيث تحرُّكه في باجة ورفع الأعلام السود شعار العباسيين، وبدأ يُحرِّض الناس على الداخل معلنًا لهم أنَّه خارجٌ عن سلطان الخلافة الشرعية، وقد اختار العلاء ظرفًا ملائمًا لحركته؛ إذ كان الداخل يُواجه حركات معارضة تجتاح الأندلس من شمالها وجنوبها، الأمر الذي أحرج الداخل، ولكن الإحراج الأكبر كان بانضمام أعدادٍ كبيرةٍ من الناس؛ "فانحشر إليه الناس"، وانضمَّ إليه الأجناد، واتَّبعته الفهريَّة على إثر انضمام "واسط بن مغيث الطائي وأمية بن قطن الفهري". وانضمَّت إلى الحركة كذلك اليمانيَّة، "فأقبلت اليمانية"، وسادت الأندلس فترة من الهيجان الشديد، وأحرج موقف الأمير الداخل إحراجًا كبيرًا لكثرة المنضمين للحركة، "وكادت دولة الأمير أن تنصرف وخلافته أن تنخرم". وكان لكثرة الناس المنضمين لحركة العلاء أسباب هي: 1- استغلال العلاء الخلافة العباسية في حركته وأثار شعور الناس بإشاعته أنَّ الداخل خارجٌ عن سلطان الخلافة العباسية، الأمر الذي أوهم ودفع الكثير من الناس إلى الانضمام إلى حركته. 2- انضم إلى حركة العلاء الذين تضررت مصالحهم بقدوم الداخل وقيام الإمارة الأموية، وخاصة الفهري الذي أبعد عن السلطة بمجيء الداخل؛ وانضمت كذلك القبائل اليمانية التي انقلبت على عبد الرحمن، لأنهم لم يجدوا في عهده النفوذ الذي كانوا ينشدونه مقابل مساعدتهم في كفاحه ضد المضرية. تقدَّمت الجموع المؤيدة للعلاء إلى إشبيلية، فخرج الداخل بقوَّاته من قرطبة مفضلًا ملاقاة الخارجين خارج قرطبة، خاصَّةً بعد أن سمع بكثرة عددهم؛ واشتدَّ الكرب بالداخل عندما علم بخروج "غياث بن علقمة اللخمي من شدونه ممدًّا لهم، فلمَّا سمع بخبره الأمير بعث إليه بدرًا مولاه في قطيع من عسكره فنازله بدر وانعقد الصلح". فعاد اللخمي إلى شدونه، ورجع بدر إلى الداخل، ناقلًا له رجوع غياث اللخمي ووصل الداخل إلى قرمونة؛ "وهي موقع حصين على الطريق بين منطقة الثائرين وقرطبة". ووصلت قوات الخارجين وحاصرت قوات الداخل، وبدأت المناوشات بين الطرفين شديدة من خلف أسوار المدينة، ولما طال أمد الحصار تخلخل جيش العلاء؛ إذ لم يتوقعوا استمرار الحصار لهذه الفترة، فلمَّا أُعلم الداخل أنَّ اليأس قد دبَّ في صفوف أعدائه، أراد استغلال الفرصة والقضاء على الحركة. "فأمر الداخل بنار فأُوقدت، ثم أمر بأغمدة سيوف أصحابه فأُحرقت وقال لهم اخرجوا معي لهذه الجموع خروج من لا يُحدِّث نفسه بالرجوع، وكانوا 700 من ذكور الرجال ومشاهير الأبطال، فأخذوا سيوفهم وخرجوا"، مباغتين أعداءهم مثيرين فيهم الرعب، فدارت الحرب بينهم طويلًا، وزُلزل قوم العلاء وأصحابه فولوا منهزمين، وقُتلوا قتلًا ذريعًا، وقُتل العلاء مع سبعة آلاف من أصحابه، ربَّما يكون أعداد مقاتلي الجانبين مبالغًا فيه أو ليس من المعقول أن يقتل 700 مقاتل سبعة آلاف مقاتل؟ وبذلك تخلَّص الداخل من خطرٍ شديدٍ هزَّ كيان إمارته هزًّا عنيفًا، وليس أدل على تأثير حركة العلاء على نفسيَّة الداخل من العمل الذي قام به؛ وهو أنَّه "ميَّز رءوس المعروفين ورأس العلاء ومثَّله، ثم كتب باسم كل واحدٍ بطاقة، ثم عُلِّقت في أذنه، ثم أجزل العطاء لمن انتدب لحمل تلك الرئوس". وحُملت الرءوس ورأس العلاء معها بعد أن أفرغ وحشي ملحًا وصبرًا، وجعل معه لواء المنصور وبعثه مع رجال وأمرهم أن يضعوا بمكة، فوافق المنصور بها حاجًّا في تلك السنة، فجعل السقط عند باب سرادقه، فلما نظر إليه، قال مقولته التي ذكرناها سابقًا. إنَّ عمل الداخل بما يحمل من سخريةٍ وتحدٍّ لأبي جعفر المنصور يعكس الصعوبة التي واجهها الداخل في حركة العلاء، بحيث جعلته يفقد سيطرته على نفسه ويقوم بعمله المثير، وقد جعل فشل حركة العلاء وتحدِّي الداخل للخلافة بسخريةٍ وعنف هذه المحاولة هي الأولى والأخيرة التي يقوم بها أبو جعفر المنصور؛ فلم يُقدم على أيِّ محاولةٍ ثانيةٍ ضدَّ الإمارة الأموية في الأندلس. ثانيًا: حركة الصقلبي بفشل حركة العلاء انتهت محاولة المنصور بالقضاء على الإمارة الأموية في الأندلس، وقامت محاولات العباسيين بمجيء الخليفة المهدي (158-169هـ=755-785م) الذي كان لا يقل طموحًا عن المنصور في ضمِّ الأندلس تحت لوائه، وربَّما كان عدم إقدام المنصور على محاولةٍ ثانيةٍ لاتِّعاظه بما حصل للعلاء، أو لعدم وجود شخصٍ كالعلاء يستطيع المجازفة، توافرت الفرصة للخليفة المهدي بالقضاء على الأمويين بوجود شخصيَّةٍ مناسبةٍ على استعدادٍ كبيرٍ للتضحية والطموح في تولِّي الأندلس. فقد عبر عبد الرحمن بن حبيب الفهري المعروف بالصقلبي من إفريقيا إلى تدمير (جنوب الأندلس)، وتختلف الروايات في تحديد سنة عبوره وحركته؛ فالبعض يُشير إلى سنة (161هـ=778م)، والآخر إلى سنة (162هـ=779م أو سنة 163هـ=780م)، ونزل في تدمير ودعا للعباسيين ولبس السواد واتَّخذه شعارًا لحركته. إنَّ حركة الصقلبي تُشبه إلى درجةٍ كبيرةٍ حركة العلاء؛ خصوصًا في الجهة التي عبروا منها، وانتهاج الأسلوب نفسه، ورفع الشعارات نفسها، ولكن ما يُميِّز حركة العلاء هو كثرة المنضمِّين إليها بفعل ظروفٍ خاصَّةٍ كانت تمرُّ بها الأندلس. أمَّا حركة الصقلبي، فتُميِّزها محاولته التفاهم مع سليمان بن يقظان الأعرابي الذي كان عاملًا في برشلونة أو سرقسطة، مستغلًّا سوء علاقته بالداخل؛ حيث إنَّه "كاتب سليمان بن يقظان الأعرابي في أمره، ومحاربة عبد الرحمن الأمويِّ، والدعاء إلى طاعة المهدي". وهنا تكمن خطورة حركة الصقلبي على الإمارة الأموية، ولكن لحسن حظِّ الداخل لم يتم التفاهم والموافقة بين الطرفين؛ فلم يُجب الأعرابي دعوة الصقلبي، كاتبًا له "إنِّي لا أدع عونك". الأمر الذي وتَّر العلاقة بين الطرفين ووصل إلى الصدام العسكري بينهما، وَجَرَتْ معركة بين الأعرابي والصقلبي قرب برشلونة، انهزم فيها الصقلبي وعاد منسحبًا إلى تدمير. وكان ذلك كله في صالح الأمير عبد الرحمن الداخل الذي استغلَّ فرصة ضعف أعدائه، فهاجم تدمير وأحرق مراكب الصقلبي الموجودة في ساحل البحر محاولًا منع الصقلبي من العودة إلى إفريقيا، واستعمل الداخل سلاح المال، فأعلن أنَّه يبذل ألف دينار جائزة لمن يأتيه برأس الصقلبي، فاغتاله رجلٌ من البربر وحمل رأسه إلى عبد الرحمن فأعطاه الداخل ألف دينار، وتمَّ ذلك على أرجح الروايات سنة (162هـ=779م). وبذلك فشلت محاولة العباسيين العسكرية الثانية والأخيرة في استرجاع الأندلس، ولكن بعض الباحثين أشار إلى عدم وجود صلة بين الصقلبي والخليفة المهدي، بدليل أنَّ الصقلبي كان إباضي المذهب هاربًا من سلطان العباسيين في إفريقيا وساعيًا إلى نشر المذهب الإباضي في الأندلس، الأمر الذي حال دون اتفاقه مع الأعرابي وأهل الأندلس بصورةٍ عامَّة؛ إذ لم يرغبوا في غير المذهب المالكي. ولكن لبس الصقلبي السواد ودعوته للعباسيين كان شعار حركته، ثم طلبه من الأعرابي بحرب الداخل، فالدخول في طاعة المهدي، ثم ردود فعل الأمير الداخل على حركة الصقلبي التي كانت موجهة ضدَّ العباسيين خصوصًا إعلانه عزمه على غزو بلاد الشام، كل ذلك يدلُّ على اتصال الصقلبي بالخليفة المهدي، وأنَّ خروجه كان باسم الخلافة العباسية. وتمخضت عدَّة نتائج عن حركة الصقلبي وهي: 1- مقتل عبد الرحمن بن حبيب الفهري الصقلبي، وفشل حركته ضدَّ الإمارة الأموية. 2- فشل محاولة العباسيين الثانية التي كانت بإشراف الخليفة المهدي الذي حاول من خلالها ضم الأندلس إلى سلطانه. 3- عدم إقدام العباسيين على أثر فشل هذه المحاولة على أيِّ عملٍ عسكريٍّ موجَّهٍ ضدَّ الإمارة الأموية في الأندلس. أما ردود الأمير الداخل على حركة الصقلبي، فتمثَّلت في عدَّة أمور هي: 1- أشاع الأمير عبد الرحمن الداخل عزمه على غزو الشام من الأندلس على العدوة الشمالية لأخذ ثأره من العباسيين، وكان ذلك سنة (163هـ=780م)، ولكن قيام ثورة سليمان بن يقظان الأعرابي والحسين بن يحيى الأنصاري في سرقسطة حال دون تنفيذ عزم الأمير المذكور، وفي الواقع لم يكن تنفيذ مثل هذا العمل سهلًا على الداخل؛ لأنَّه يحتاج إلى إمكانات مادية وبشرية كبيرة جدًّا، بالإضافة إلى البعد الجغرافي وما يترتَّب على ذلك من صعوبةٍ كبيرة، ثم إنَّ الداخل رجلٌ سياسيٌّ يعرف ما يعنيه مثل هذا العمل. كل ذلك يجعلنا نقول: إنَّ الداخل لم يكن جادًّا في عزمه بغزو بلاد الشام؛ وإنَّما أشاع ذلك تهديدًا للخلافة العباسية، مثيرًا مخاوفها، متحدِّيًا لها ولأيِّ عملٍ عسكريٍّ جديدٍ تُوجِّهه ضدَّ إمارته. 2- كان من نتائج حركة الصقلبي أن أرسل الداخل رسالةً إلى الخليفة المهدي اتَّصفت بالسلبية والخشونة، فردَّ عليها المهدي برسالةٍ مماثلة. ثالثًا: أسباب عدم نجاح العباسيين في السيطرة على الأندلس نُلخِّص أسباب فشل العباسيين في تحقيق السيطرة على الأندلس، بما يأتي: 1- انشغال الخلافة العباسية بمشاكل المشرق الإسلامي، المتمثلة في قيام حركات مناوئة للعباسيين، وقيام إمارات منفصلة عن جسم الخلافة العباسية في أماكن قريبةٍ من مركزها، كل ذلك حال دون توجيه اهتمام الخلافة بشكلٍ مباشرٍ نحو الأندلس. 2- البعد الجغرافي؛ حيث كانت الأندلس بعيدةً جدًّا عن مركز الخلافة العباسية، ووجود البحر الذي يفصل بين الأندلس والعالم الإسلامي، كل ذلك حال دون إقدام الخلافة العباسية على محاولةٍ جادَّة، وبعث جيوش عباسية لضمِّ الأندلس إلى كيانها. 3- قوة الأمير عبد الرحمن الداخل وحزمه وجرأته وشجاعته، حالت دون نجاح المحاولتين العباسيتين (حركة العلاء وحركة الصقلبي). 4- حالة إفريقيا السائدة؛ فقد كانت تابعة اسميًّا للخلافة العباسية، وتفاقم الأمر أكثر بقيام دويلات مستقلَّة عن الخلافة العباسية، هذه الحالة جعلت العباسيين يوجهون اهتمامهم نحو إفريقيا دون الأندلس لأهميَّتها للخلافة. الخلاصة كانت الخلافة العباسية تعتبر الداخل خارجًا عن سلطاتها متمرِّدًا على كيانها، فلم تتأخَّر في دعمها لمن طلب مساعدتها في سبيل ضمِّ الأندلس لسيطرتها، وتمَّ تقديم الدعم المادي والمعنوي لحركتين خطرتين أقلقتا الداخل وإمارته وهما: أ- حركة العلاء بن مغيث اليحصبي في زمن الخليفة أبي جعفر المنصور سنة (146هـ=763م). ب- حركة عبد الرحمن بن حبيب الفهري الصقلبي في زمن الخليفة المهدي سنة (161هـ=778م). شكَّلت هاتان الحركتان خطورةً كبيرةً على الإمارة الأموية، ولكنَّ الداخل استطاع بحزمه وقدرته القضاء على المحاولتين. _____________
المصدر: العلاقة بين أمويي الأندلس والخلافة العباسية، الدكتور خالد إسماعيل نايف الحمداني، كلية الدراسات الإسلامية والعربية - دبي، مجلة التاريخ العربي.
إرسال تعليق