ميلاد المصطفى وميلاد عيسى عليهما السلام
أيهما أولى بالاهتمام والاحتفال، أو الإهمال والإغفال؟؟؟
تاريخ إلقائها غدا إن شاء الله: 03 ربيع الأول 1436 هـ 26 / 12 / 2014 م
أيهما أولى بالاهتمام والاحتفال، أو الإهمال والإغفال؟؟؟
تاريخ إلقائها غدا إن شاء الله: 03 ربيع الأول 1436 هـ 26 / 12 / 2014 م
لبسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه
هذه خطبة بالمناسَبة، لعلها تكون مناسِبة لمن أحب أن يستأنس بها، أو يوظفها بعد أن ينظفها، فينقحها من أخطائي ليلقحها بأفكاره والرجاء منه أمران:
1) الدعاء لي -بعد الإخلاص- عن ظهر الغيب.
2) غض البصر -بعد الإصلاح- عما فيها من العيب.
الحمد لله الذي خص الأمة ببعثة خير الأبرار، وميزها بقبلة تتجه إليها في الصلوات والأذكار، فأمرنا بالاهتمام بذكريات سيد الأخيار، كما أمرنا بإهمال التشبه بالمشركين والكفار، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار، عالم الخفايا والأسرار، والمطلع على مكنون الضمائر والأفكار، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صاحب الحلم والوقار، باتباعه ينال المسلم المقاصد والأوطار، ويتجنب خطوات الأشرار، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الأطهار، وعلى التابعين لهم بإحسان ما دام الليل والنهار.
أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته...
ها هو شهر ميلاد المصطفىﷺ قد حل هذا الأسبوع بساحتنا شهر ربيع الأول، وها هي السنة الميلادية التي يزعم النصارى أنها ذكرى ميلاد سيدنا عيسى -عليه السلام- تطل برأسها هذا الأسبوع أيضا؛ وبهذا فإننا نستقبل في هذه الأيام ذكرى ميلاد المصطفى وذكري ميلاد عيسى عليهما السلام؛ فأيهما أولى بالاهتمام والاحتفال والاحتفاء؟ وأيهما أجدر بالإهمال والإغفال والاختفاء؟ أيهما أولى بالاعتناء به؟ وأيهما أجدر بالاستغناء عنه؟
فتعالوا بنا اليوم نقارن بين ميلاد المصطفى وميلاد عيسى عليهما السلام؛ ما علاقتهما بالأمة المسلمة؟ وكيف يهتم بعض المسلمون بميلاد عيسى في الوقت الذي يهملون فيه ميلاد المصطفىﷺ؟ وما هي الاستعدادات لاستقبال ميلاد عيسى عليه السلام؟ وما هي الاستعدادات لاستقبال ميلاد المصطفىﷺ؟
أما الاستعداد لاستقبال السنة الميلادية فشيء تقشعر منه الجلود، حيث لا قيود ولا حدود، ، إنه احتفالات اللهو والفجور، حيث تذبح الفضيلة، وتقتحم المناكر، وتداس الأعراض، حيث تحرق نار الخمور والشهوة كل حشمة وحياء وعفاف، فهناك يشترك في الفساد الكبار قبل الصغار، وتزين الأشجار، وتضاء النيران والأنوار، وفي ساعة الصفر -كما يقولون نعم إنها ساعة الصفر؛ ولكن الصفر من الأخلاق، الصفر من الكرامة، الصفر من الرجولة، والإنسانية- وفي ساعة الصفر تستباح ما تبقى من الممنوعات، حيث تقف عن الوصف الأقلام، وتعجز الألسنة عن الكلام، وينشر بشكل خطير اللحم الأبيض المتوسط، فتوزع الجراثيم: جراثيم فقدان المناعة وفقدان الأخلاق وفقدان الإيمان وفقدان الإنسانية، وكل هذا يحدث في بلاد المسلمين، وممن يدعي الإسلام، وخصوصا في مدينتنا السياحية هذه.
هذا ما يجب إهماله وإغفاله والاستغناء عنه والدعوة إلى اختفائه عن مجتمعنا في ذكرى ميلاد عيسى عليه السلام.
أما ما يجب الاهتمام والاحتفال والاحتفاء والاعتناء به لو كانت رأس السنة مرتبطة حقا بسيدنا عيسى عليه السلام فهو ولادته المعجزة بدون أب كما خلق آدم عليه السلام بدون أب ولا أم، {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ الله كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}... نتذكر زهده وعفافه، وعفاف أمه البتول العذراء الطاهرة، والعفاف هو الاكتفاء بالحلال في المأكل والمشرب والمنكح، ولا شك أن العفاف في هذه المجالات قد أصبح عملة نادرة، يدل على ذلك ما في مجتمعنا من الفساد المالي والأخلاقي والسلوكي، هذا الفساد الظاهر ظهور الشمس في كبد السماء.
نعم في هذا الجانب نحن أولى بسيدنا عيسى من الصليبيين، كما كنا أولى بسيدنا موسى من اليهود، يقول الرسولﷺ فيما روى الإمام مسلم: «أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الأولى والآخرة، الأنبياء إخوة من علات وأمهاتهم شتى ودينهم واحد، وليس بيني وبين عيسى نبي».
نحن أولى بالاهتمام بسيدنا عيسى من الذين ألهوه وعبدوه وجعلوه ندا للذي خلقه، نحن أولى بالاهتمام بسيدنا عيسى من الذين زعموا أنه مخلص العالم، وأنه صلب لينقد الناس من خطاياهم، فيستقبلون ذكرى ميلاده بمزيد من الخطايا والآثام، نحن أولى بالاهتمام بسيدنا عيسى نتذكر صبره وبره بأمه، ونحن نعلم الحالة المزرية التي عليها بر الوالدين في مجتمعنا؟
نحن أولى بالاهتمام بسيدنا عيسى؛ نتذكر فيه قوله تعالى: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ الله آتانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ مَا كَانَ للهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}...
نحن أولى بالاهتمام بسيدنا عيسى؛ نؤمن بأنه لم يصلب بل رفعه الله إليه، وسينزل آخر الزمان ليحكم بين الناس بشريعة القرآن، نتذكر فيه قول النبيﷺ فيما روى الإمام مسلم: «والله ليزلن ابن مريم حكما عدلا فليكسِرن الصليب، وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية، ولتُرَكنَّ القِلاص فلا يُسعَى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليَدْعُوَنَّ إلى المال فلا يقبله أحد» ونقف هنا عند كلمة " لتتركن القلاص فلا يسعى عليها" والقلاص هي الإبل، أليست قد تركت اليوم فلا يسعى عليها، واستبدلت بالسيارات والحافلات وغيرها، فهذا دليل على صدق هذا الحديث عن نزول عيسى بن مريم حكما عدلا، بل إن النبيﷺ أخبرنا أنه سيحج ويعتمر فقالﷺ فيما روى الإمام مسلم: «والذي نفسي بيده ليُهِلَّنَّ ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمرا» وفج الروحاء: اسم مكان بين مكة والمدينة.
هذه هي الاستعدادات لرأس السنة الميلادية، أما الاستعدادات لذكرى ميلاد المصطفىﷺ فلا تكاد تسمع بها إلا في المساجد، وأول ما يلفت الانتباه في ذلك إذا ما قورن برأس السنة الميلادية الصليبية، ذلك الإهمال الذي يستقبل به بعض المسلمين ذكرى ميلاد المصطفىﷺ، وذلك السكوت المطبق الذي يخيم عليها، فلا يعيرون لها أي اهتمام، بينما نقيم الدنيا ولا نقعدها عندما تنتهي السنة الصليبية بفسادها ومجونها، الكل يتحدث عنها، ويعد سنوات عمره على مقتضاها؟!
يا من يحتفل اليوم برأس السنة الميلادية! يا من يقلد الصليبيين! ها هي ذكرى ميلاد النبي المصطفى الحبيبﷺ قد أقبل علينا هل رأيت يهوديا أو نصرانيا يعتني بها كما تفعل أنت بأعيادهم؟ فلم نهتم بدينهم ونهمل ديننا؟ فلم هذا التقليد الذي يجعل المسلم يفقِد هويته ويضِل عن ذاته؟ فلم نحتفل حتى بأعيادنا على طريقة أعيادهم؟ وهل يجوز للمسلم أن يقلدهم وقد نزلت سورة خاصة في القرآن الكريم تحضنا على إهمال أعيادهم الدينية؟ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}، وهل يجوز للمسلم أن يقلدهم وهو يصلي ويقرأ في الفاتحة كل يوم: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ؟…
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين…
الحمد لله رب العالمين…
أما بعد فأيها الاخوة المؤمنون؛ اعتبروا رأس السنة يوما كسائر الأيام، لا فرق بينه وبين بقية الأيام إلا بالتقوى، لا تقدموا فيها الهدايا ولا تأخذوها من أحد، واجتنبوا قاعات الفسق والمجون في ليلتها وفي غيرها من الليالي، ولا تشتروا لأبنائكم الألعاب الخاصة بأعياد النصارى، فلكم في الأيام الأخرى ما شئتم من الألعاب وعلى التجار المسلمين ألا يساهموا في هذه المظاهر الصليبية، في نوع التجارة التي يعرضونها وألا يزينوا الدكاكين بالأضواء والأنوار. فاحذر أيها المسلم أن تكون بوقا لشعارات الصليبيين، أو ببغاء تحكي أقوالهم وأحوالهم؛ فالمسلم ثابت بذاته، مستقل بهويته، لا ينساق وراء التبعية لغيره، ولا ينصهر في عادات غيره وثقافته، فقد روى الترمذي وقال: "حسن غريب" عن حُذيفةَ قال: قالَ رَسُولُ اللهﷺ: «لا تَكونوا إمَّعَةً: تقُولونَ: إنْ أحسَنَ النَّاسُ أحسنا وإنْ ظَلَموا ظَلَمنا، ولكنْ وطِّنُوا أنفُسكُم: إنْ أحسَنَ النَّاسُ أن تُحسنُوا، وإنْ أسَاءوا فلا تَظلِموا»، والرسولﷺ لا يريد للمسلم أن يتشبه بغيره، فقد روى أبو داوود أن النبيﷺ قال: «من تشبه بقوم فهو منهم»، بل تبرأﷺ ممن يتشبه بغير المسلمين فقال فيما روى الترمذي: «ليس منا من تشبه بغيرنا» وويل لمن تبرأ منه الحبيب المصطفىﷺ، وقد حذرناﷺ من تقليد الصليبين منذ أربعة عشر قرنا، وأخبر بأن ذلك سيحدث في الأمة يوما ما، وقد حدث وعشناه اليوم، ورأس السنة أوضح ذليل عل ذلك، وإن هذا لبرهان ساطع على صدق حديث الرسولﷺ ولدليل ناصع على أنهﷺ ما ينطق عن الهوى، ينبغي ألا يفوت المؤمن في استغلاله فرصة للدعوة إلى دين الله سبحانه، وإلى التمسك بسنة رسول اللهﷺ؛ روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهﷺ «لَتَتّبِعُنّ سَنَنَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ. شِبْراً بِشِبْرٍ، وَذِرَاعاً بِذِرَاعٍ. حَتّىَ لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبَ لاَتّبَعْتُمُوهُمْ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله آلْيَهُودُ وَالنّصَارَىَ؟ قَالَ «فَمَنْ؟». فبإطلالة واحدة لواقع الأمة، نشاهد صدق هذا الحديث النبوي الشريف إذ نجد الأمة مطبوعة بهذا التقليد طولا وعرضا، وفي شتى المجالات.
ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ...
هذه خطبة بالمناسَبة، لعلها تكون مناسِبة لمن أحب أن يستأنس بها، أو يوظفها بعد أن ينظفها، فينقحها من أخطائي ليلقحها بأفكاره والرجاء منه أمران:
1) الدعاء لي -بعد الإخلاص- عن ظهر الغيب.
2) غض البصر -بعد الإصلاح- عما فيها من العيب.
الحمد لله الذي خص الأمة ببعثة خير الأبرار، وميزها بقبلة تتجه إليها في الصلوات والأذكار، فأمرنا بالاهتمام بذكريات سيد الأخيار، كما أمرنا بإهمال التشبه بالمشركين والكفار، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار، عالم الخفايا والأسرار، والمطلع على مكنون الضمائر والأفكار، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صاحب الحلم والوقار، باتباعه ينال المسلم المقاصد والأوطار، ويتجنب خطوات الأشرار، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الأطهار، وعلى التابعين لهم بإحسان ما دام الليل والنهار.
أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته...
ها هو شهر ميلاد المصطفىﷺ قد حل هذا الأسبوع بساحتنا شهر ربيع الأول، وها هي السنة الميلادية التي يزعم النصارى أنها ذكرى ميلاد سيدنا عيسى -عليه السلام- تطل برأسها هذا الأسبوع أيضا؛ وبهذا فإننا نستقبل في هذه الأيام ذكرى ميلاد المصطفى وذكري ميلاد عيسى عليهما السلام؛ فأيهما أولى بالاهتمام والاحتفال والاحتفاء؟ وأيهما أجدر بالإهمال والإغفال والاختفاء؟ أيهما أولى بالاعتناء به؟ وأيهما أجدر بالاستغناء عنه؟
فتعالوا بنا اليوم نقارن بين ميلاد المصطفى وميلاد عيسى عليهما السلام؛ ما علاقتهما بالأمة المسلمة؟ وكيف يهتم بعض المسلمون بميلاد عيسى في الوقت الذي يهملون فيه ميلاد المصطفىﷺ؟ وما هي الاستعدادات لاستقبال ميلاد عيسى عليه السلام؟ وما هي الاستعدادات لاستقبال ميلاد المصطفىﷺ؟
أما الاستعداد لاستقبال السنة الميلادية فشيء تقشعر منه الجلود، حيث لا قيود ولا حدود، ، إنه احتفالات اللهو والفجور، حيث تذبح الفضيلة، وتقتحم المناكر، وتداس الأعراض، حيث تحرق نار الخمور والشهوة كل حشمة وحياء وعفاف، فهناك يشترك في الفساد الكبار قبل الصغار، وتزين الأشجار، وتضاء النيران والأنوار، وفي ساعة الصفر -كما يقولون نعم إنها ساعة الصفر؛ ولكن الصفر من الأخلاق، الصفر من الكرامة، الصفر من الرجولة، والإنسانية- وفي ساعة الصفر تستباح ما تبقى من الممنوعات، حيث تقف عن الوصف الأقلام، وتعجز الألسنة عن الكلام، وينشر بشكل خطير اللحم الأبيض المتوسط، فتوزع الجراثيم: جراثيم فقدان المناعة وفقدان الأخلاق وفقدان الإيمان وفقدان الإنسانية، وكل هذا يحدث في بلاد المسلمين، وممن يدعي الإسلام، وخصوصا في مدينتنا السياحية هذه.
هذا ما يجب إهماله وإغفاله والاستغناء عنه والدعوة إلى اختفائه عن مجتمعنا في ذكرى ميلاد عيسى عليه السلام.
أما ما يجب الاهتمام والاحتفال والاحتفاء والاعتناء به لو كانت رأس السنة مرتبطة حقا بسيدنا عيسى عليه السلام فهو ولادته المعجزة بدون أب كما خلق آدم عليه السلام بدون أب ولا أم، {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ الله كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}... نتذكر زهده وعفافه، وعفاف أمه البتول العذراء الطاهرة، والعفاف هو الاكتفاء بالحلال في المأكل والمشرب والمنكح، ولا شك أن العفاف في هذه المجالات قد أصبح عملة نادرة، يدل على ذلك ما في مجتمعنا من الفساد المالي والأخلاقي والسلوكي، هذا الفساد الظاهر ظهور الشمس في كبد السماء.
نعم في هذا الجانب نحن أولى بسيدنا عيسى من الصليبيين، كما كنا أولى بسيدنا موسى من اليهود، يقول الرسولﷺ فيما روى الإمام مسلم: «أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الأولى والآخرة، الأنبياء إخوة من علات وأمهاتهم شتى ودينهم واحد، وليس بيني وبين عيسى نبي».
نحن أولى بالاهتمام بسيدنا عيسى من الذين ألهوه وعبدوه وجعلوه ندا للذي خلقه، نحن أولى بالاهتمام بسيدنا عيسى من الذين زعموا أنه مخلص العالم، وأنه صلب لينقد الناس من خطاياهم، فيستقبلون ذكرى ميلاده بمزيد من الخطايا والآثام، نحن أولى بالاهتمام بسيدنا عيسى نتذكر صبره وبره بأمه، ونحن نعلم الحالة المزرية التي عليها بر الوالدين في مجتمعنا؟
نحن أولى بالاهتمام بسيدنا عيسى؛ نتذكر فيه قوله تعالى: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ الله آتانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ مَا كَانَ للهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}...
نحن أولى بالاهتمام بسيدنا عيسى؛ نؤمن بأنه لم يصلب بل رفعه الله إليه، وسينزل آخر الزمان ليحكم بين الناس بشريعة القرآن، نتذكر فيه قول النبيﷺ فيما روى الإمام مسلم: «والله ليزلن ابن مريم حكما عدلا فليكسِرن الصليب، وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية، ولتُرَكنَّ القِلاص فلا يُسعَى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليَدْعُوَنَّ إلى المال فلا يقبله أحد» ونقف هنا عند كلمة " لتتركن القلاص فلا يسعى عليها" والقلاص هي الإبل، أليست قد تركت اليوم فلا يسعى عليها، واستبدلت بالسيارات والحافلات وغيرها، فهذا دليل على صدق هذا الحديث عن نزول عيسى بن مريم حكما عدلا، بل إن النبيﷺ أخبرنا أنه سيحج ويعتمر فقالﷺ فيما روى الإمام مسلم: «والذي نفسي بيده ليُهِلَّنَّ ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمرا» وفج الروحاء: اسم مكان بين مكة والمدينة.
هذه هي الاستعدادات لرأس السنة الميلادية، أما الاستعدادات لذكرى ميلاد المصطفىﷺ فلا تكاد تسمع بها إلا في المساجد، وأول ما يلفت الانتباه في ذلك إذا ما قورن برأس السنة الميلادية الصليبية، ذلك الإهمال الذي يستقبل به بعض المسلمين ذكرى ميلاد المصطفىﷺ، وذلك السكوت المطبق الذي يخيم عليها، فلا يعيرون لها أي اهتمام، بينما نقيم الدنيا ولا نقعدها عندما تنتهي السنة الصليبية بفسادها ومجونها، الكل يتحدث عنها، ويعد سنوات عمره على مقتضاها؟!
يا من يحتفل اليوم برأس السنة الميلادية! يا من يقلد الصليبيين! ها هي ذكرى ميلاد النبي المصطفى الحبيبﷺ قد أقبل علينا هل رأيت يهوديا أو نصرانيا يعتني بها كما تفعل أنت بأعيادهم؟ فلم نهتم بدينهم ونهمل ديننا؟ فلم هذا التقليد الذي يجعل المسلم يفقِد هويته ويضِل عن ذاته؟ فلم نحتفل حتى بأعيادنا على طريقة أعيادهم؟ وهل يجوز للمسلم أن يقلدهم وقد نزلت سورة خاصة في القرآن الكريم تحضنا على إهمال أعيادهم الدينية؟ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}، وهل يجوز للمسلم أن يقلدهم وهو يصلي ويقرأ في الفاتحة كل يوم: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ؟…
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين…
الحمد لله رب العالمين…
أما بعد فأيها الاخوة المؤمنون؛ اعتبروا رأس السنة يوما كسائر الأيام، لا فرق بينه وبين بقية الأيام إلا بالتقوى، لا تقدموا فيها الهدايا ولا تأخذوها من أحد، واجتنبوا قاعات الفسق والمجون في ليلتها وفي غيرها من الليالي، ولا تشتروا لأبنائكم الألعاب الخاصة بأعياد النصارى، فلكم في الأيام الأخرى ما شئتم من الألعاب وعلى التجار المسلمين ألا يساهموا في هذه المظاهر الصليبية، في نوع التجارة التي يعرضونها وألا يزينوا الدكاكين بالأضواء والأنوار. فاحذر أيها المسلم أن تكون بوقا لشعارات الصليبيين، أو ببغاء تحكي أقوالهم وأحوالهم؛ فالمسلم ثابت بذاته، مستقل بهويته، لا ينساق وراء التبعية لغيره، ولا ينصهر في عادات غيره وثقافته، فقد روى الترمذي وقال: "حسن غريب" عن حُذيفةَ قال: قالَ رَسُولُ اللهﷺ: «لا تَكونوا إمَّعَةً: تقُولونَ: إنْ أحسَنَ النَّاسُ أحسنا وإنْ ظَلَموا ظَلَمنا، ولكنْ وطِّنُوا أنفُسكُم: إنْ أحسَنَ النَّاسُ أن تُحسنُوا، وإنْ أسَاءوا فلا تَظلِموا»، والرسولﷺ لا يريد للمسلم أن يتشبه بغيره، فقد روى أبو داوود أن النبيﷺ قال: «من تشبه بقوم فهو منهم»، بل تبرأﷺ ممن يتشبه بغير المسلمين فقال فيما روى الترمذي: «ليس منا من تشبه بغيرنا» وويل لمن تبرأ منه الحبيب المصطفىﷺ، وقد حذرناﷺ من تقليد الصليبين منذ أربعة عشر قرنا، وأخبر بأن ذلك سيحدث في الأمة يوما ما، وقد حدث وعشناه اليوم، ورأس السنة أوضح ذليل عل ذلك، وإن هذا لبرهان ساطع على صدق حديث الرسولﷺ ولدليل ناصع على أنهﷺ ما ينطق عن الهوى، ينبغي ألا يفوت المؤمن في استغلاله فرصة للدعوة إلى دين الله سبحانه، وإلى التمسك بسنة رسول اللهﷺ؛ روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهﷺ «لَتَتّبِعُنّ سَنَنَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ. شِبْراً بِشِبْرٍ، وَذِرَاعاً بِذِرَاعٍ. حَتّىَ لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبَ لاَتّبَعْتُمُوهُمْ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله آلْيَهُودُ وَالنّصَارَىَ؟ قَالَ «فَمَنْ؟». فبإطلالة واحدة لواقع الأمة، نشاهد صدق هذا الحديث النبوي الشريف إذ نجد الأمة مطبوعة بهذا التقليد طولا وعرضا، وفي شتى المجالات.
ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ...
إرسال تعليق